العبادات في الإسلام لها حِكَم ومقاصد عديدة. أول هذه الحِكَم والأهداف هو ذكر الله تعالى: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي)، (فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ)، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ.. وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ)، وهكذا. ومن حكمة العبادات إظهار الخضوع والتسليم لله والاتباع لرسوله صلى الله عليه وسلم –

بصرف النظر عما نفهم نحن من حكم وأسرار. فمثلا تساءل عمر رضى الله عنه عن الرَمَل (أو الجري في السعي) والكشف عن المناكب (أي في ملابس الإحرام) بعد أن أعز الله الإسلام. والقصة هي أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) حين دخل مكة فاتحاً أشاع الكفار أن المسلمين قد أضعفتهم أوبئة المدينة، فأمرهم (صلى الله عليه وسلم) أن يجروا في الطواف والسعي ويكشفوا عن أكتافهم (للرجال) حتى يظهروا قوة المسلمين والإسلام.

لكن عمر –لأنها أصبحت عبادة مستقرة- قال: (لا ندع عبادة كنا نفعلها على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم). ويوم الجمعة من أيام العبادة الخاصة في الإسلام، قال عنه (صلى الله عليه وسلم): (الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر) وقال صلى الله عليه وسلم (خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة فيه خلق الله آدم وفيه أدخل الجنة وفيه أخرج منها ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة) وقال -صلى الله عليه وسلم-: (إن يوم الجمعة سيد الأيام وأعظمها عند الله وهو أعظم عند الله من يوم الأضحى ويوم الفطر فيه خمس خلال: خلق الله فيه آدم، وأهبط الله فيه آدم إلى الأرض، وفيه توفي الله آدم، وفيه ساعة لا يسأل الله فيه العبد شيئا إلا أعطاه ما لم يسأل حراما، وفيه تقوم الساعة ما من ملك مقرب ولا سماء ولا أرض ولا رياح ولا جبال ولا بحر إلا وهن يشفقن من يوم الجمعة) وقال -صلى الله عليه وسلم- (إن يوم الجمعة سيد الأيام وأعظمها عند الله وهو أعظم عند الله من يوم الأضحى ويوم الفطر فيه خمس خلال: خلق الله فيه آدم، وأهبط الله فيه آدم إلى الأرض، وفيه توفى الله آدم، وفيه ساعة لا يسأل الله فيها العبد شيئا إلا أعطاه ما لم يسأل حراماً، وفيه تقوم الساعة ما من ملك مقرب ولا سماء ولا أرض ولا رياح ولا جبال ولا بحر إلا وهن يشفقن من يوم الجمعة) وقال -صلى الله عليه وسلم- (نحن هدانا الله له)، وغير ذلك كثير من الأحاديث الصحيحة (راجع البخاري ومسلم/ أبواب الجمعة). وصلاة الجمعة لها شأن خاص، نزلت سورة كاملة من القرآن باسمها، وفيها: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)، وقال عنها -صلى الله عليه وسلم- (من ترك الجمعة ثلاث مرات تهاونا بها طبع الله على قلبه)، وقال: (لا يغتسل رجل يوم الجمعة، ويتطهر ما استطاع من طهر، ويدهن من دهنه، أو يمس من طيب بيته، ثم يوم الجمعة، وقفت الملائكة على باب المسجد، يكتبون الأول فالأول)، وغير ذلك من الأحاديث الصحيحة كذلك. أضف إلى ذلك الحِكَم التي ذكرها العلماء من اجتماع الناس وسماعهم الموعظة وتبادل المشاعر الطيبة والسؤال عن الغائب والمريض، إلى آخر ذلك من حكم ومقاصد فردية وجماعية عظيمة. ثم ظهرت لنا في الأسابيع الأخيرة، والتي بدأ فيها عصر ثورات الشباب الحديثة، حكمة جديدة لصلاة الجمعة!

وهي أن هذه الصلاة أصبحت الملاذ والملجأ الأخير للشعوب المقهورة لكي تثور على جلّاديها، وتحطم أصنامها، وتوحّد الكلمة وتجمع الصف. فمهما منع المستبدون التجمع فوق ثلاثة أو أربعة أو خمسة أشخاص، ومهما أغلقوا وسائل التواصل الإلكترونية أو الهاتف أو المواصلات، ومهما “حظروا” المظاهرات والاحتجاجات – فالجمعة شعيرة إسلامية لا يستطيع أن يمنعها أحد! وهي المنطلق الذي ينطلق منه الشباب في مختلف بلادنا لبدء الثورة أو استمرار الثورة أو حتى إنقاذ الثورة! فمن جمعة الغضب، لجمعة الشهداء، لجمعة الزحف، لجمعة الخلاص، لجمعة الوحدة الوطنية، لجمعة الاستقرار، لجمعة النصر، لجمعة الإنقاذ، إلى أخر هذه الأسماء المبدعة – هكذا تخدم شعيرة صلاة الجمعة الأهداف العليا وتدفع المسلمين دفعاً في مسيرة الإصلاح والتغيير والتجديد. وأخيراً، لا ننسى الشهداء.

فبالإضافة إلى انطباق قول الرسول -صلى الله عليه وسلم- عليهم: (سيد الشهداء حمزة، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله)، ينطبق عليهم كذلك قول النبي -صلى الله عليه وسلم- (ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلا وقاه الله فتنة القبر). والحمد لله رب العالمين على شريعته الغراء الحكيمة.