قراءة في أطروحة الدكتوراه للمرحوم إسماعيل الفاروقي

“حول إثبات الخير”

جاسر عودة [1]

ملخص

هذه قراءة مختصرة لأطروحة الدكتوراه للأستاذ الراحل الدكتور إسماعيل الفاروقي (1921-1986م) رحمه الله، والتي قدمها لجامعة إنديانا الأمريكية عام 1952م تحت عنوان (حول إثبات الخير). وبعد مقدمة عن الرسالة وكاتبها وموضوعها وأقسامها، تعرض القراءة المغالطتين الرئيستين في تعريف قيمة الخير واللتين تصدى لهما الدكتور الفاروقي بالنقد والتحليل، ألا وهما مغالطة الطبيعية ومغالطة التعميم (أو الإزاحة). ثم نقدم تحليلنا لمجموعة الحجج المنطقية التي أثبتت بها هذه الرسالة قيم الخير ن طريق تعريف سماتها، ألا وهي أن القيمة قبْلية (apriori)، وأنها مدركة بالحدس الانفعالي (emotional intuition)، وأنها حقيقية (real)، وأنها ضمير الأمر (consciousness of command)، وأنها مطلقة وغير نسبيّة (non-relativist). ثم تعرض القراءة لمدى تأثر كاتب الرسالة الراحل في تلك المرحلة المبكرة من حياته بالفيلسوف الألماني شيلر (1874-1928م)، خاصة في منهجية الظاهراتية (phenomenology)، والتي استمر تأثيرها عليه فيما بعد وطبقها على دراسته للإسلام. ثم نختم القراءة بملاحظات نقدية موجزة على منهج الرسالة، واقتراحات لكيفية الاستفادة منها في البحث الفلسفي المعاصر.

مقدمة عن الرسالة وكاتبها

على الرغم من أن والد الأستاذ الدكتور الراحل إسماعيل الفاروقي – رحمه الله – كان قاضياً شرعياَ، إلا أن الدكتور الراحل تلقّى تعليماً مدنياً فرنسياً مبكراً ثم تعليماً أمريكياً في الفلسفة، سواء على مستوى البكالوريوس أو مستوى الدراسات العليا،[2] وصولاً إلى كتابة هذه الرسالة التي نعرضها في هذه القراءة عام 1952م. وعلى هذا فخلفية الدكتور الفاروقي حتى كتابة هذه الرسالة كانت قد غلب عليها التعليم الغربي خاصة في مجال الفلسفة، وأثر ذلك على نطاق البحث والنظريات – الغربية بالأساس – التي تناولها فيه. وغلاف هذه الرسالة (شكل 1) يوضح أنها قد قدمت تحت العنوان التالي: (On Justifying The Good)،[3] وأترجمها هنا (حول إثبات الخير)، وذلك خلافاً لترجمات أخرى سابقة لنفس العنوان أرى أنها قد جانبت الدقة.[4]

شكل 1: صورة من غلاف أطروحة الدكتور الراحل إسماعيل الفاروقي.

والسؤال الرئيسي التي تسأله هذه الرسالة هو: كيف نعرف قيمة (value) الخير؟ وهو سؤال عن مفهوم وتعريف وطرق الوصول إلى “الخيرية” نفسها، أي عن المنهجية المعرفية في تصنيف “القيمة” سواء في تعريفها نفسه أو في مصدرها المعرفي (أي الأنطولوجيا والإبستمولوجيا). وهو سؤال ضروري حتى ينتج عن معرفة قيمة الخير أن يفعل الإنسان الخير، حيث رأى الدكتور الراحل أن الفعل الأخلاقي لا يصح أن يعرّف قبل تعريف القيمة الأخلاقية التي هي الدافع (motive) إليه، وإلا وقعنا في النسبية الأخلاقية (ethical relativism) – كما سيأتي.

وأطروحة الدكتور الراحل في رسالته أن القيمة تعرف بالحدس الإنفعالي (emotional intuition) من إنسان ذو بصيرة وقدرة وتزكية روحية، فهو يربط تعريف القيمة بصفات الإنسان الذي يعرّفها ولا يربطها بالدليل التجريبي أو المنطقي – كما ناقش بإسهاب في الرسالة.

وأهمية الرسالة تظهر من عدة اعتبارات، أولاها يتعلق بفهم هذه المرحلة من حياة الدكتور الراحل وكيف أثرت في المراحل التالية عليها، وثانيها يتعلق بمنهج الدراسة الفلسفي والذي وإن اعتمد على الفلسفة الغربية وما يلحق بها من بعض كتابات فلاسفة المسلمين عن الفلسفة الإغريقية – إلّا أن النزعة الإنسانية والفطرية (الإسلامية إن شاء القارئ) واضحة وأصلية ومفيدة للقارئ المسلم وغير المسلم على حدّ سواء، ولو أن هذه الملاحظة تحتاج إلى بحث منفصل.

والرسالة فيها كذلك نقد لمغالطات فلسفية في علم الأخلاق حلّل فيها الدكتور الراحل ببراعة فلسفة عدد من الأعلام من أفلاطون وأرسطو وابن سينا إلى كانط ونيتشه وشيلر، ثم انحاز إلى ذلك الأخير في منهجه في علم الأخلاق وبنى عليه الفكرة الرئيسة في هذه الرسالة التي نقضت فلسفات الأخلاق الوجوبية والنسبية والوجودية والواقعية والعدمية على حد سواء.

 

فصول الرسالة

وضع الدكتور الراحل في أول صفحة ملخصاً لرسالته ترجمتُه كالتالي:

تتناول هذه الرسالة الشروط المعرفية التي تتعلق بإدراكنا وفَهمنا لنظرية القيم، كما تهتم الرسالة اهتمامًا رئيسًا ببعض المفاهيم القديمة المغلوطة في تاريخ الفلسفة. فإنه حتى وقت ظهور إسهامات ماكس شيلر، ظل تاريخ الأخلاق يُقدِّم لنا نظريات تقع كلها في أحد هذين الخطأين:

أولًا: المغالطة الطبيعية، أو ربط معنى القيمة بحقيقة معينة.

ثانيًا: مغالطة الإزاحة، أو اشتقاق خُلُق تعدُّدي (خُلُق له قيم كثيرة) من نظريةِ قيمٍ تستند إلى قيمة واحدة. وقد كانت هذه المغالطة أكثر شهرةً في العصور القديمة، أما في العصور الوسطى فقد اشتهرت كلٌّ من مغالطة الإزاحة والمغالطة الطبيعية في شكل “ميتافيزيقي”، وفي العصور الحديثة اشتهرت المغالطة الطبيعية في شكل “طبيعي”.

وبظهور الظاهراتية (الفينومولوجيا) وإسهامات ماكس شيلر، سعت نظرية القيم -لأول مرة- إلى تفادي الوقوع في هاتين المغالطتين؛ فوجهة النظر التي ترى أن القيمة هي جوهر ذاتيُّ الوجود، يُعرَف من خلال حَدْس عاطفي بَديهي، تأخذ معنى القيمة بعيدًا عن المغالطة الطبيعية، ووجهة النظر الأخرى التي تعتبر أن القيمة تُشكِّل مجالًا تعدديًّا ينأى بها عن مغالطة الإزاحة.

وقد احتوت الرسالة على مقدمة وسبعة فصول، واستغرق كل فصل بين الأربعين والخمسين صفحة، وسبق المقدمة مدخل من عشرين صفحة، وتلا الرسالة ثبت للمراجع باللغات العربية والإنجليزية والألمانية والفرنسية.

أما المقدمة، فكانت تحت عنوان (إشكالية إثبات الخير) وفيها عرض عام للإشكالية المطروحة والأسئلة وخلاصات لمحتوى الرسالة ومنهجها.

ثم قُسّمت الرسالة إلى قسمين كبيرين الأول تحت عنوان (مقدمة: دراسة نقدية لإشكالية إثبات الخير في بعض الفلسفات)، واحتوى على الفصول من الأول إلى الرابع، والقسم الثاني تحت عنوان (الأسس المعرفية لنظرية قيم مبنية على التفكّر)، واحتوى على الفصول الخامس والسادس والسابع.

أما الفصل الأول فتحت عنوان (المغالطة الطبيعية والمغالطة التعميمية)، ناقشت الرسالة طبيعة المغالطتين في فلسفات الأخلاق المعاصرة ومصادر الخطأ فيهما ومقارنتهما بمغالطات أخرى تؤول إلى إحداهما بالضرورة ولو اتخذت أسماء مختلفة.

والفصل الثاني – تحت عنوان (المغالطتين الطبيعية والتعميمية في العصر القديم) – يعرض للنظريات الأخلاقية عند فلاسفة اليونان، وينقضها بأسلوب يشبه أساليب النقض التي انتهجها الفصل الأول.

وأما الفصل الثالث فيركز على (الواقعية العلمية)، وهو عنوان الفصل، وفيه يعرض بالتفصيل إلى فلسفة التحول عند أريتيه وعلاقة نظرية الخير بالوجودية، ومفهوم الشر، والتعميم المبنى على المنطق التجريبي، ليخلص أن كل تيارات الواقعية ترتكب نفس مغالطة التعميم ولو بأشكال مختلفة.

ثم ينتهي الفصل بمبحثين، أولهما ينقد فيه الدكتور الراحل مفهوم الغائية الكونية في الفلسفات القديمة، ويشرح كيف أنه لا يصلح لبناء نظرية في القيم عليه، والمبحث الثاني يتجاوز فيه ما أسماه العقبة الأخيرة في الواقعية العلمية، ألا وهي مفهوم “الحرية الأخلاقية”.

وأما الفصل الرابع، فينقض (الطبيعية المعاصرة)، وهو عنوان الفصل، عن طريق عدم اعتبارها أساساً لنظرية قيم متماسكة – سواء ما يؤول منها لنظرية المنفعة، أو للمنهج البراغماتي، أو العدمية الحديثة. ويبين في مبحثين منفصلين كيف أن النظريات الطبيعية المعاصرة تقع في مغالطتي (الطبيعية) و(التعميمية) السالفتي الذكر، وأنها في النهاية كلها تؤول إلى النسبية الأخلاقية، شاء أصحابها أم أبوا.

ويأتي الفصل الخامس ليفتتح الجزء الثاني من الرسالة (الأسس المعرفية) تحت عنوان (نقض النسبية). وفي هذا الفصل نقض لنوعي النسبية المشخْصَنَة (protagorean relativism) والنسبية الأخلاقية (ethical relativism)، سواء على مستوى الفرد (individual) أو الثقافة (cultural) أو الكل الإنساني (universal).

وبعد أن نقض النسبية بأنواعها في الفصل الخامس، كتب الفصل السادس تحت عنوان (القيم هي مثالياً جواهر ذاتية الوجود)، وفيه شرح الحالة القبلية أو البدهية (apriori) لقيم المنفعة والأخلاق والجمال، وأنها حقيقية – مثالياً -، وأنها مدركة عن طريق التفكر – كلّ في مبحث مستقل.

والفصل السابع والأخير (حول تجريبيّة القيم المدركة بالحدس) – يتناول قضية التحقق من صحة القيمة الأخلاقية المدركة بالحدس عن طريق التجربة العملية، ويشرح مفهوم علم الإنسان الفلسفي (philosophic anthropology).

 

الأطروحات الموضوعية في الرسالة

وهذه الرسالة بقسميها وفصولها السبعة تطرح موضوعات رئيسة ثلاثة: أولها نقض مغالطة الطبيعية في الفلسفات الأخلاقية المختلفة، وثانيها نقض مغالطة الإزاحة أو التعميمية في تلك الفلسفات، وثالثها – وهو لب الرسالة – تعريف للقيمة وصفاتها وكيفية إدراكها.

 

أولاً: نقض مغالطة الطبيعية

انتقد الدكتور الراحل عدة فلسفات في “تسرعها” (ص 3)،[5] وهو ما أدى بها إلى الوقوع في مغالطة ادعاء “الطبيعية” في نظرتها للأخلاق وبالتالي خلط جوهر الأخلاق وعرضها نظراً لعدم التمييز بين الشكل أو الوظيفة من جانب والماهية من جانب. كتب يقول (ص 3):

يميل الإنسان ميلًا طبيعيًّا لفهم الأشياء أو تعريفها بالإشارة إلى شكلها وعملها، لا من حيث الماهية التي يجب أن تكون عليه الأشياء؛ لأنه عملياً وفعلياً لا يمكن أن تُفهم الأشياء إلا من خلال شكلها وعملها، وكيفية تأديتها وظيفتَها. فمثلًا التعريف الشائع للتفاحة هو أن “شكلها كذا وكذا، ومذاقها كذا وكذا”، وتعريف السِّكِّين على أنها “أداة للقطع”، هي أمثلة “طبيعية” وواضحة لهذا الفَهم الإنساني.

والمطلوب في نظرية القيم –كما كتب– أن نعرّف الجواهر دون الأعراض. وبالتالي فالدكتور الراحل يعرّف “المغالطة” نفسها تعريفا يختلف عن التعريف التقليدي الذي يقصرها على التناقض المنطقي الشكلي، ويدخل فيها ما يعرف العرض دون الجوهر (ص 10 و33).

فحين انتقد جون ستوارت مِل – مثلاً – لأنه خلط قيمة الخير بمفهوم “المرغوب” (desirable) عرض للمنطق الشكلي الذي استند إليه مِل، وهو أن السعادة مرغوبة، والخير مرغوب، إذن السعادة هي الخير (ص 10)، فحجة مِل كانت كالتالي (كما نقلها في ص 11):

لا يمكن إبداء سبب للرأي القائل بأن السعادة مرغوب فيها سوى أن كل شخص -بقدر ما يعتقد أن ذلك قابل للتحقيق- يرغب في تحقيق سعادته الشخصية، ورغم أن هذه حقيقة فلدينا كل الأدلة التي تقبلها هذه الحال، بالإضافة إلى كل ما يمكن أن تتطلبه؛ وهو أن السعادة خير، وأن سعادة كل فرد خير كذلك لهذا الفرد، وأن السعادة العامة خير لمجموع الشعب. فلقد جعلت السعادة من نفسها إحدى غايات السلوك البشري، ومِن ثَمَّ أحد معايير الأخلاق، وإذا كان الأمر كذلك فالسعادة هي الغاية الوحيدة للعمل الإنساني، ونَشْرُها هو الاختبار الذي يمكن من خلاله الحكم على السلوك الإنساني، ويترتَّب على ذلك أن السعادة يجب أن تكون معيارًا للأخلاق.

وعلق الدكتور الفاروقي رحمه الله أن في هذا المنطق حجة منطقية سليمة شكلياً لكنها مغلوطة مضموناً، بل إنها تؤدي بالضرورة إلى نسبية الأخلاق نظراً لاختلاف الناس فيما هو مرغوب (ص 33)، وهو خطأ واضح من ناحية المضمون.

ومضى الدكتور الراحل يصنّف تحت هذه المغالطة كل ما يعرّف القيم عن طريق ما يُدّعى أنه “طبيعي” أو “حقيقة” شكلاً أو وظيفةً، كالذي ادعي أنه “يحقق السعادة”، أو “يحقق الرضا”، أو “ما هو مرغوب”، أو حتى “ما يحرّك الناس للخير” (ص 8)، والمطلوب – كما كتب – هو الوصول للجوهر القيمي الحقيقي لا ما يُدّعى أنه “طبيعي”، مع اعتبار أن الخير نفسه يتعدد (ص 37) دون لزوم ارتباط هذا التعدد بدعاوى “الطبيعية”.

وانتقد الدكتور الراحل كذلك كل الفلسفات التي تسعى للوصول إلى تعريف القيمة عن طريق الدليل التجريبي (empirical) أو الاستقراء (induction) (ص 8)، لأنها بدورها مغالطة تدعي التوصل بالضرورة إلى “الطبيعية”. وانتقد الفيلسوف مِل مرة أخرى لذلك الخلط، ولأنه إذن يقع في نفس “المغالطة الطبيعية” التي توصّل بالضرورة إلى نسبية الأخلاق. كتب قائلاً (ص 9):

وتأكيدًا على ذلك يعتقد مِل بشدة أن “الدليل الوحيد، الذي يمكن أن ينتج عنه أي شيء مرغوب فيه، هو أن الناس يرغبون في هذا الشيء فِعلًا، تماما مثل الحال التي نقول فيها إن الشيء مرئيٌّ إذا كان الناس يرونه فِعلًا، وأن الصوت مسموع إذا كان الناس يسمعونه.”

وقد فصل الدكتور الراحل (في الفصل الخامس) في بيان أن نسبية الأخلاق تؤول بالضرورة المنطقية إلى تناقضها وبالتالي إلى العدمية (nihilism)، وهو ما ينقض نظرية الأخلاق من أساسها. وكان من ما كتب رحمه الله في نقض النسبية ما يلي (ص 149):

ارتكب أصحاب نظرية النسبية بمختلف أطيافهم خطأ جسيمًا في توصيف القيمة؛ حيث اعتبروا القيم أمورًا “نسبية.” وأيًّا كان المقصود بهذا المصطلح فالهدف من جدلهم هو محاولة إثبات التالي: “في حديثنا عن القيمة لا يمكن وصف أي حكم بأنه صحيح أو زائف؛ لأن الصحة والزيف يمكن تطبيقهما فقط استنادًا إلى “حقيقةٍ” تكون مطابقتها، أو عدم مطابقتها، مجالًا للصحة والبطلان.” ولكنني أرى أنه في المسائل القِيَمية لا توجد هذه “الحقيقة”، فليست هناك قيمة تأتي إلى حيز الوجود أو تتغير عند التفكير فيها، أو إدراكها في التجربة، وفي مجال القيم ليست هناك “حقيقة” سوى ظاهرة التفكير في القيمة نفسها أو فهمها.

وأبدى الدكتور الراحل إعجابه بأرسطو في أنه نأى بمنطقه عن النسبية في بحثه عن القيمة، ولو أنه وقع في مغالطة الإزاحة – كما سيأتي، فكتب رحمه الله يقول (ص 161):

وقد خصَّص أرسطو الجزء الأول من كتابه: “الأخلاق النيقوماخية” لمناقشة “جانب الخير في الإنسان”؛ وذلك حتى لا يُخضِع نفسه بهذه السهولة للنسبية، وفي هذا الكتاب دَرَس أرسطو الآراء واحدًا تلو الآخر بشأن تحديد “الغاية القطعية” للإنسان، وقد أنكرها جميعًا، ثم توصَّل إلى تعريف “غاية أخيرة للإنسان”، عن طريق دراسة الوظيفة المميِّزة لهذا الإنسان؛ ألا وهي النشاط العقلي. إذن، إذا أردنا الإجابة عن هذا السؤال، وهو: هل الجزء الأول من كتاب أرسطو “اجتهاد” بشأن الوسائل أم الغايات؟ فمن الواضح أن الإجابة ستكون: الغايات.

 

ثانياً: نقض مغالطة التعميم (أو الإزاحة)

هذه المغالطة مؤداها أن يسمّى شيء آخر غير القيمة باسم القيمة (ولهذا يسميها الدكتور الراحل بمغالطة الإزاحة)، أو أن يعمّم جزء على الكل ولا يلزم (وهي مغالطة التعميم أو الإزاحة كذلك). وقد اتهم الدكتور الراحل من أسماهم “عظماء الفلاسفة” من أمثال أفلاطون وأرسطو والغزالي وتوماس الأكويني وكانط وهيغل – اتهمهم أيضاً بالتسرع والوقوع في هذه المغالطة، وقال إنهم -بطرق مختلفة- قد اختاروا الفضائل باعتباطية عشوائية ودون معيار محدّد، ثم خلطوا بين “الشجاعة” –مثلاً– و”القيمة” التي هي في مستوى أعمق من الشجاعة لأن الشجاعة حاملة للقيمة وليست هي القيمة نفسها، وهم بذلك وقعوا في “مغالطة الإزاحة”. وكان مما كتبه في هذه المسألة ما يلي (ص 44):

وكما أن المغالطة الطبيعية هي نتاج التسرع الفلسفي، ونقص الحماسة الفلسفية لدفع استفساراتنا نحو أجواء أبعد وأعمق، فإن المغالطة التعميمية -في شكلها الأصلي والمناسب- هي نتاج الحماسة غير الضرورية والمفرطة للوصول إلى مستوى أعمق أو أعلى؛ حتى يفقد المرء موطئ قدمه في الواقع، ويسبح في فضاء الأوهام. ذلك الوهم المفرط للحيوية الفلسفية اقتصر في الحقيقة على من سمّوا “العظماء” من بين الفلاسفة، ومن أبرزهم: أفلاطون وأرسطو والغزالي والأكويني وكانط وهيغل.

ثم حمل الدكتور الراحل على نظرية القيم عند أرسطو خصوصاً، لكونه لم يقدم عليها دليلاً على حد قوله، فكتب يقول (ص 59):

ومن ثَمَّ يكون تعريف أرسطو للسعادة كأنه يقول فيه: “نشاط للنفس وفقًا لأحسن الفضائل الأخلاقية؛ كالشجاعة، وضبط النفس، والتسامح، والعدل، إلخ، ووفقًا لأحسن الفضائل الفكرية؛ كالعلم، والفن، والحكمة العملية أو التعقل، والمنطق البديهي والحكمة الفلسفية.” ولكن، يا له من حكم تعسفي يصعب للغاية تأييده بأي دليل. ولقد رأى أرسطو أنه من المناسب تعريف السعادة بالطريقة التي قدَّمها، ولكنه لم يُبدِ أي سبب لِكَوْن “الفضائل” هي المجموعة التي ذكرها فقط، وليس أي شيء آخر.

وبين الدكتور الراحل كيف أن تعريف الفضائل تعسفياً واعتباطياً لم يقتصر على أرسطو، بل امتد إلى تعريف المدرسة الواقعية للفضائل كذلك، والسبب هو ربط كل هؤلاء للفضائل بما يسمى “السعادة”، والذي هو من باب مغالطة الإزاحة أو التعميم. ذلك لأن السعادة غير القيمة الأخلاقية كما شرح الدكتور الراحل (ص 59).

ثم حمل الدكتور الراحل كذلك على ربط المسيحية والإسلام لمفهوم الخير بمفهوم الخلاص أو السعادة الأبدية وعدّ ذلك أيضاً من المغالطات التعميمية، فكتب يقول (ص 64 و65):

لقد وقعت النصرانية كذلك في المغالطة التعميمية؛ وذلك عندما حدَّدت الخير البشري بأنه هو “النعيم”. والنعيم أو الشعور بالنشوة في الحياة الأبدية -التي تنتظر الإنسان الفاضل فيما بعد جزاءً على تميُّزه الأخلاقي في الحياة الدنيا- يحملان معهما بالضرورة –عندهم- سُلَّمًا كاملًا من القِيم المعترَف بها اعترافًا ضِمنيًّا. ولا يُعد الجزء المتعلق بـ “الجزاء الأخروي” من الرواية المسيحية معتقدًا مَسيحيًّا خاصًّا، بل كان سائدًا في العصور القديمة، وربما يكون اتجاهًا ضروريًّا لأية أخلاق دينية فاضلة، وبالطبع هذا المفهوم موجود في الإسلام أيضًا.

ولكنه فرق هنا بين الإسلام والمسيحية من حيث كون مغالطة الإزاحة في المسيحية تستند إلى طبيعة الدين المسيحي نفسه والعقيدة في الإله، وليست فقط مغالطة فلسفية في الفهم الما وراء طبيعي للقيمة، فكتب يقول (ص 65):

إن الجزء المسيحي الفريد هو مركزية القيم المعترَف بها بشكل مستقل تماماً، والتي من المفترض أن تكون شروطًا لا غنى عنها لتحقيق النعيم، وهي: حب الجيران، والذي يُعد قيمة خُلقية عالية مستقلة عن أي نعيم أخروي، وعدم ارتكاب الذنوب، وحصول البراءة والطهارة، والصدقة والإيمان، والزهد والاستشهاد، وحب الله والاتحاد معه. وهذه كلها تُعد قِيمًا خلقية عالية يُميِّزها الوعي القِيَمي المسيحي ويفصل بينها بشكل تام وبين صفات الأعلى المقدس، بل ويفصلها كذلك عن كل العقائد المسيحية. وهنا نجد أن الدافع لارتكاب المغالطة التعميمية لم يكن ميتافيزيقيًّا، بل كان عقيدياً بحتاً.

وقد حمل الدكتور الراحل كذلك على مغاطة الإزاحة عند كل من عرّف الفضائل بالمنفعة (utility) دون تجاوزها إلى ما وراءها من أهداف عليا (ص 66)، وبيّن أن القيمة الحقيقية لا يمكن أن تكون تعميماً يستنبط من منطق تجريبي أو استقرائي كما يحدث في نظرية المنفعة  (ص 94)، وإلا دخل ذلك في مغالطة التعميم الكاذب كذلك.

وحمل الدكتور الراحل كذلك على الغائية بمفهومها القديم منذ فلاسفة اليونان واصفاً إياها بالسذاجة (ص 114) والخرافة (ص 116)، وأن عيبها الأساسي هي افتقادها للحتمية أو القطعية نظراً لابتنائها على الخيال أو على الاستقراء (الناقص) في أحسن الأحوال (ص 120)، وبالتالي أدخل نظرية القيم التي تبنى على الغائية في مغالطة الإزاحة أيضاً.

 

 

ثالثاَ: نظرية في القيمة بناء على الحدس الانفعالي

بدأ الدكتور الراحل بالتحليل الذي قدمه شيلر للخير على أنه قيم المنفعة ( – utility goods values) وقيم الأخلاق (ethical values – morality) وقيم الجمال (esthetic values – beauty). كتب يقول (ص 206):

لو نظرْنا حولنا، وسألْنا عن معنى الخير، فسنجد ثلاثة عناصر تجذب انتباهنا:

1 – نحن ندرك خَيرًا ينتمي إلى الأشياء باعتبارها وسائل.

2 – وخيرًا ينتمي إلى سلوك الإنسان.

3 – وخيرًا ينتمي إلى الأشياء باعتبارها غايات.

هذه الأنواع الثلاثة لا يُقصِي بعضها بعضًا، ولكنها توجد غالبًا ممزوجةً، غير أنه لا تتداخل فيما بينها، بطريقة لا تستطيع عين الشخص العادي أن تفصلها عن بعضها، وتدرك كل نوع في شكل تجريدي عن الآخرين … وهذه التقسيمات الثلاثة للخير كانت تُعرَف تقليديًّا بأسماء ثلاثة، وهي: “المنفعة” و”الأخلاق” و”الجمال”.

وقد تبنى الدكتور الراحل رأي شيلر أيضاً في تعريف القيمة على أنها ماهية تعرف بالحدس الانفعالي (ص 253)، وأنها كلية أو عالمية النطاق (ص 287)، وتوسع (في النصف الثاني من الرسالة) في بيان سمات القيمة وكيفية إدراكها فيما يمكن أن ألخّصه موضوعياً في التحليل التالي:

1 – القيمة قبْلية بدهية (apriori):

رأى الدكتور الراحل أن أول من أثبت التصور القبلي للقيمة هو أفلاطون، فكتب يقول (ص 208):

قَدَّم أفلاطون التفنيد الكلاسيكي للرأي الذي يَعتبِر القيمة -عامة- أمرًا تجريبيًّا، وكان ذلك من الأشياء التي تُحسَب له، فقد رأى في الكثير من مؤلفاته أن القيمة ليست معطياتٍ تُكتسَب من الخبرة، بل هي “مبدأ أولي”، يَخضَع له كل شيء في التجربة.

وبالتالي فوصيته لطالب العلم الذي يبحث عن الخير في الفطرة هي كالتالي (ص 219):

لا ينبغي للطالب أن يُوجِّه انتباهه للتجربة؛ لأن التجربة لا تُعلِّمه ما هو الأفضل أخلاقيًّا، بل عليه -من خلال مُعلمٍ للأخلاق- أن يرتقي بنفسه إلى عالم القيم؛ وذلك لأن معرفة الخير “تكمُن في نفسه”، مثل معرفته بعلم الهندسة، وكلاهما أمران بَديهيان على حدٍّ سواء. والفضيلة يمكن تعلُّمها لأنها فطرة، كما أن وَعْيَنا بالقيمة يمكن أن يتطوَّر وينضُج ويُهذَّب، ويمكن أن يظل هذا الوعي مُدركًا غامضًا.

إذن، فالإنسان مجبول على فطرة معينة، والقيمة جزء من هذه الفطرة ولا يستطيع الحكم على خيرية الشيء (ص 213) ولا حتى تطبيق المنطق التجريبي عليه (ص 223) إلا باستدعاء التصور القبْلي عن قيمة المنفعة أو الخلُق أو الجمال، تماماً كما يستدعي التصور القبْلي عن لون ما أو وصف ما. كتب الدكتور الراحل عن خيرية الأشياء يقول (ص 213):

من هذا يمكن أن نخلُص إلى أن الشيء قد يكون خيرًا من خلال ارتباطه بقيمةٍ، يجب استيعابها قبل تجربة الشيء على أنه خير؛ لأن القيمة شرط لوجود أي شيء ذي قيمة، والمعرفة البديهية للقيمة شرط لأي شيء يُدرَك على أنه قيِّم. والشيء أو حالة الشعور كلاهما خير بسبب القيمة، ومتى تأكَّدْنا أن شيئًا ما اتصف بالخير فهناك إشارة ضمنية للقيمة، ولكن القيمة تبقى كما هي قيمة في ذاتها.

ولكن هذا لا يتعارض مع تعلّم هذه القيم من كاملي الأخلاق أو من الرسل كما كتب يقول  (ص 216):

ربما يعترض البعض على هذا بدعوى أنه على الرغم من أننا يجب أن نعترف برأي كانط، وأن القيمة الأخلاقية لا تُعرَّف بأنها تلك التي تُشتق من الأفعال القيِّمة للرجال، إلا أنه من الممكن أن نتعلم القانون الأخلاقي من واقع حياة بعض النماذج، أو بعض الأنبياء، ولا نُقلِّد هذا النموذج فقط، بل نُربَّى رُوحيًّا وحِسيًّا وَفقًا له، وهكذا يظل القانون الأخلاقي مُكوَّنًا خارجيًّا منسوجًا في أرواحنا، من خلال التعليم والتدريب، ولكنه في الأصل مُستمَدٌّ من بعض النماذج؛ مثل هوميروس، والنبي عيسى، والنبي محمد.

ولكن هذا العلم الذي يتحصل عليه الإنسان من الرسل لا يتأتى إلا بعد التصديق بهؤلاء الرسل عن طريق قيمة الطاعة (obedience)، وكتب الدكتور الراحل عن قيمة الطاعة العمياء لهؤلاء الرسل يقول (ص 218):

ما نطلق عليه “الطاعة العمياء” تكمن قيمته الأخلاقية في الاعتقاد بأن إرادة المعلم هي القيمة القصوى؛ فالطفل يطيع لأنه يشعر بقيمة الإذعان للأمر بدون جدال، وليس لأنه يشعر بالقيم التي يسعى المعلم لإدراكها من خلال الأوامر. وهذا الإحساس بالقيمة القصوى للاستسلام هو ما نطلق عليه القيمة الأخلاقية للطاعة.

وسواء أكان أمر المعلم أم نصيحة الأب الودودة يُطاعان دون نقد أم لا، وسواء أكانت الغايات التي يسعى المعلم أم الأب لتحقيقها ذات قيمة أم لا، الحالين يظل الأمر صحيحًا؛ وهو أن القِيَم أمر بدهي، فيما يتعلق بإدراك الطاعة، أو محتوى الأوامر التي لم يَحِنِ الوقت بعدُ للتلميذ أو الطفل أن يُجرِّبها بنفسه.

2 – القيمة تدرك بالحدس الانفعالي (emotional intuition):

وهذا الحدس – كالقدرة على الحكم المنطقي أو الرياضي الصحيح – يحتاج إلى عاقل ذي بصيرة وصاحب قدرة على الحكم وتزكية روحية، فكتب الدكتور الراحل يقول (ص 271):

بالطبع هناك تدريب على مَلَكاتنا المعرفية النظرية، لكنه لا يقل قيمةً عن التدريب في حال مَلَكاتنا المعرفية القِيَمية أو الشعور القِيَمي؛ ففي الحال الأخيرة يصبح هذا التدريب مهمة معلم الأخلاق. ولكن يظل التدريب ممكنًا على الإطلاق، على افتراض أن هناك مَلَكة أقل أو أكثر حِدة، يمكن أن تتطور وتُنمَّى، أو أن تُدرب وتُشحَذ، فمن الممكن دائمًا تدريب شخصٍ ما على فَهم معنًى، أو ظاهرةٍ، أو دلالةٍ، لا يستطيع الشخص العادي أن يستوعبها، وكذلك فهناك تربية أخلاقية، أو عجز في التربية الأخلاقية، وهناك قدرة ذهنية، أو عجز في القدرة الذهنية، لِفَهم القيم.

 وهذه القدرة تأتي بالدُربة –كما بين الدكتور الراحل– سواء على مستوى الفرد أو حتى على مستوى الدُّربة للبشرية كلها (ص 269)، فالقيم ظواهر (ص 227) تُدرك كما تدرك الظواهر المختلفة. كتب رحمه الله يقول:

تُعدُّ القيم “ظواهر” بالمعنى الذي يمكن للفينومولوجيا (الظاهراتية) أن تفهمنا إياه، وذلك باعتبارها محتويات للحَدْس المباشر، كما أن تجربة هذه الظواهر هي نظرة ثاقبة بحثًا عن الجوهر، أو تجربة للجوهر المتعلق بالظواهر، وهذا الجوهر ليس عامًّا أو خاصًّا. وهذه النقطة قد أصر كانط فيها على شمولية ما يمكن وصفه بأنه قبلي بدهي، مما أدَّى إلى حدوث حالة من اللبس، ويمكن القول بأن العلاقة بالأجسام التي يُدرَك فيها الجوهر هي وحدها التي تُضفِي التميز على معناه العام والخاص.

3 – القيمة حقيقية (real): وذلك بمعنى أنها شعور في الضمير لا بمعنى أنها “حقيقة عقلية مجردة” (ص xi)، ذلك لأنها ليست بالضرورة متمثلة كلّياً في حقيقة ما أو شخص ما. فكما أن الرجولة حقيقة إلا أنها لا تشترط أن تكون كاملة في رجل ما، وهي إذن حقيقية بمعنى مثالية (ideal). كتب يقول (ص 240):

إن كل جدل يمكن الاستشهاد به لإثبات وجود تاج محل أو القمر مثلًا، يمكن استخدامه كذلك لصالح القيم، ولكن يجب التنويه على أن كيفية وجود الاثنين مختلفة؛ ففي حال تاج محل أو القمر فالوجود وجود حقيقي، أما في حالة القيم فهو وجود “مثالي”، لذلك فإن معرفة القيم هي معرفية حقيقية بالوجود، وتصبح في مستوى جميع أنواع المعرفة النظرية؛ ذلك لأن هدفها واقع مستقلٌّ تمامًا؛ مثل العلاقات المكانية بالنسبة للهندسة، أو الأجسام بالنسبة للمعرفة المتعلقة بالأشياء. فالقيم أهداف لمعرفة أخلاقية محتملة، ولكنها لا تأتي إلى الوجود عند أول إدراك لها، فهي ليست آراء أو أفكارًا أو أمثلة.

وهذا التصور للقيمة يخالف مذهب العدمية (nothingness) الذي يطرحه الشكّيّون (skeptics)، والذي نقده الدكتور الراحل بقوله (ص 241):

حتى بسطاء التفكير -ومعهم الفلاسفة في أغلب الأحيان- هم عُرضة أيضًا للتفكير في الوجود الواقعي باعتباره وجودًا مطلقاً، وأن ما ليس موجوداً في الواقع هو لا شيء، ويميل الإنسان ميلًا طبيعيًّا إلى أن يَعتبِر كل ما هو واقعي أمرًا حقيقيًّا، وأن يُنزِل كل ما هو غير واقعي إلى منزلة العدم.

4 – القيمة ضمير الأمر (consciousness of command):

والقيمة عند الدكتور الراحل رحمه الله صورت وكأنها ولّادة للضمير الأخلاقي لا يوجد إلا بها، كما أن الرياضيات ولادة للحقيقة العلمية، وفي هذا كتب يقول (ص -238239):

تستطيع الأخلاق أن تُعلِّمنا الخير تمامًا، كما تستطيع الهندسة والرياضيات أن تُعلِّمنا ما هو حقيقي من الناحية الهندسية والرياضية، ولا يعني هذا أن الأخلاق تُجبرنا أن نكون فُضَلاء؛ لأنها تَلفت انتباهنا إلى محتوياتها فقط. والفرق بين الأخلاق والرياضيات أو الهندسة هو أن محتوى الأخلاق عبارة عن أوامر وقواعد وقيم، ولذلك إذا اعتبرنا الأخلاق معيارية فهذا بسبب محتواها، وليس بسبب أسلوب تعليمها أو نوعه، كما يفترض أصحاب الاتجاهات العاطفية. إن حال طبيعية المعرفة، وفن توجيه شخص آخر إليها -من جانب شخص لديه معرفة- هما الشيء نفسه في كلٍّ مِن مجالَيِ الأخلاق والرياضيات، وإذا كانت الرياضيات تُعَدُّ المستقبِلةَ للوعي النظري، فإن الأخلاق هي المستقبِلة للوعي الأخلاقي.

5 – القيمة مطلقة وغير نسبيّة (absolute, non-relativistic):

أكد الدكتور الراحل رحمه الله أن القيمة مطلقة وغير نسبيّة على عكس كل أطروحات المذاهب النسبية المختلفة – كما بين بالتفصيل في الفصل الخامس من الرسالة. وقد كتب رحمه الله عن قيم العبقرية والبطولة والقديسية – وهي القيم التي اعتبرها مطلقة- كتب يقول (ص 296):

هكذا تُبيِّن أول حجة لنا أن القيمة النهائية هي التي يمكن أن تكون غير مشروطة من الناحية القِيَمية فقط، وأن العبقرية والبطولة والقداسة أمثلة على القيم غير المشروطة؛ لأن الواسطة الوحيدة التي تمتلكها هذه القيم هي بمثابة وسائل لتحقيق ذاتها، فالعبقرية والبطولة والقداسة تستطيع -ويجب ذلك عليها- أن تؤدي إلى إنتاج مزيد من العبقرية والبطولة والقداسة وإلى رعاية ذلك الإنتاج، غير أن هذا لا يُؤثِّر على استقلالها المطلق.

وأخيرا، درس الدكتور الراحل احتمال أن تتعارض قيمتان، ووضع أربعة إحتمالات:

أ – أن يكون الحدسان صحيحين: وذلك يؤدي إلى نسبية الأخلاق، وهو مردود.

ب – أن يكون الصواب والخطأ لا ينطبق أصلاً: وهذا ما قالت به الشكّية وهو مردود كذلك.

ج – أن يكون الحدسان خاطئين.

د – أن يكون أحد الحدسين صحيحاً.

واحتمال (ج) و(د) لابد لهما من معيار – وهو حدس العاقل – حتى ندرك الخطأ والصواب.

تأثر الدكتور الفاروقي بفينومولوجية (ظاهراتية) شيلر

بدا تأثر الدكتور الفاروقي بالفيلسوف شيلر واضحاً في ثنايا الرسالة في تأييده لنظرية القيم عنده من حيث اعتمادها على الحدس الانفعالي وتبنيه لتقسيم شيلر لأنواع القيم إلى نفعية وخلُقية وجمالية، وكذلك معظم آراء شيلر في مذاهب الفلسفة المختلفة. إلا أن الدكتور الراحل انتقد شيلر في بعض المواضع، من أهمها قيمة القديسيّة (Saintliness)، والتي وضعها شيلر على رأس هرمه في القيم (ص 51)، بل وانتقد الفاروقي هذه الهرمية نفسها.

وتأثر الدكتور الفاروقي بشيلر اختلف في أثره عن تأثر غيره من دارسي الفلسفة من الأعلام في عصره. فيوحنا بولس (الذي أصبح بابا الفاتيكان من بعد) تبنى نظريات شيلر بما فيها القديسيّة ووضعها موضعاً مركزياً من دراساته في فلسفة الأخلاق،[6] وهايديغير (الذي أصبح فيلسوفاً شهيراً من بعد) بنى على فلسفة شيلر منهجة التفكيكي المابعد حداثي[7] (والذي طرحه الدكتور الفاروقي باعتباره “شكياً” ويؤدي إلى العدمية الأخلاقية).

ولكن التأثير الأكبر من الفيلسوف شيلر على الدكتور الراحل الفاروقي، والذي بقي معه وتطور وطبقه لاحقاً على ما كتب في حضارة الإسلام وفي مقارنة الأديان – كان هو منهج الظاهراتية (phenomenology)، وقد كتب في رسالته تحت عنوان “ظاهراتية (فينومولوجيا) القيم” (phenomenology of values) شارحاً منهجية شيلر في دراسة القيمة (ص 287):

تُشكِّل القيم عالمًا تعدديًّا، غير أنه ليس عالمًا فوضويًّا، ففي هذا العالم يتحقَّق ترتيب وتركيب معين، يُخلَق مرة أخرى في العالم الواقعي الذي تُدرَك فيه هذه القيم. والترتيب العام في هذا العالم هو تسلسل هَرَمي، تُشكِّله قاعدة عريضة من القيم الأساسية، ثم مركب وسيط من القيم التمهيدية، ثم يعلو هذا التسلسل مجموعة من القيم النهائية.

والظاهراتية منهجية للبحث والتحليل يمكن تلخيصها –حسب فهمي- إلى السمات التالية:

  • لا يصح في التحليل الفينومولوجي الظاهراتي أن يقحم المراقب الظاهرة في أي تصور مسبق أو إطار فكري قرره سلفاً، وإنما عليه أن يترك الظواهر وكأنها تتحدث عن نفسها.
  • لابد للمراقب أن يجتهد لكي يجعل الجوهر -كما فهمه هو في صورته الذهنية التي كونها- يجعله ينسق المعلومات المتناثرة في إطار كلي يعزز مصداقية هذا الجوهر نفسه.
  • يجب على المراقب للظاهرة أن يعطل جميع ما سبق عنده من ميول في فهم الظاهرة، وهو ما يمكن أن يطلق عليه “التوقف”.[8]
  • يجب على المراقب للظاهرة أن ينبذ الطريقة “العلمية” التي لا تعد صحيحاً إلا ما كان محسوساً أو مادياً أو كمياً، من ما يعميه عن جوهر الظواهر الذي هو ليس بالضرورة محسوساً ولا مادياً ولا كمياً.

ورغم أن الدكتور الراحل نسب لشيلر الفضل في أنه أول من أدخل الظاهراتية في دراسة الأخلاق والدين،[9] إلا أنه طور هذا المنهج وشرحه في دراسته للحضارة الإسلامية من خلال كتابه الأخير “أطلس العالم الإسلامي”، وحين طبق الدكتور الراحل هذا المنهج على دراسته للإسلام كظاهرة دينية، وصل إلى وضع فروق منهجية مبدئية كان لها أثر واضح في ما كتب، كتفريقه بين الإسلام والمسلمين، وبين الإسلام وتاريخ الإسلام، وبين الإسلام والمكونات الحضارية له، وبنى دراسته على ما أسماه “رؤية ذهنية لعقيدة الإسلام”. وكان الأصل في تلك الرؤية ذهنية للعقيدة هو التوحيد. وبالتالي، فقد وجدنا أن الدكتور الراحل عاد في ثنايا “أطلسه” إلى موضوع أطروحة الدكتوراه وهو القيم، بنفس منهجية الفينومولوجيا ولكن برؤية للتوحيد كجوهر الإسلام. ولذلك فقد كتب مجدداً في الأخلاق الإسلامية تحت عناوين: “التوحيد بوصفه أول مبدأ في فلسفة الأخلاق” و”التوحيد بوصفه أول مبدأ في علم الأخلاق”.[10]

ملاحظات على أفكار الرسالة ومقترحات

وإن كان لي في هذه القراءة من ملاحظات نقدية متواضعة على هذه الرسالة ومقترحات للاستفادة من أفكارها، فأقول في نقاط مختصرة:

1 – نقد الدكتور الراحل للغائية -كما مر- إنما يصح في الغائيات القديمة التي بنيت كما ذكر بحق على الخرافة والخيال (ص 114 – 116). أما الغائية المعاصرة -خاصة في صورتها في الفكر الإسلامي المعاصر فيما يعرف بالمدرسة المقاصدية – فهي مبنية على استقراء النصوص الشرعية بحثاً عن الكليات والغايات، والتي تتقاطع مع منظومة القيم الإسلامية في مساحات كبيرة. ولكن الدكتور الراحل انتقد في رسالته أصل هذه الغائية وهو “الاستقراء الناقص” (ص 120)، وهو النقد التقليدي الذي لا يعتبر الاستقراء (الناقص على أي حال) دليلاً “قطعياً” وليس فيه “حتمية” على حد تعبير الدكتور الراحل في رسالته.

ولذلك، عندما أراد أبو إسحاق الشاطبي الإفاضة في التنظير للمقاصد، ودفعِها لتتبوّأ مكانتها ضمن “أصول الشريعة” بدأ كتاب المقاصد من الموافقات في مقدمته الأولى التي قال عنها أنها: “محتاج إليها قبل النظر في مسائل الكتاب”، بدأ بالتأكيد على “قطعية الأصول”، ثُم “قطعية الاستقراء”، ومن ثَم “قطعية المقاصد”. والمقاصديون منذ الشاطبي يتبنون الاستقراء دليلاً إن لم يكن قطعياً فهو أقرب ما يكون إلى القطع باعتبار مراتب القطع والظن النسبية، وليس ثنائية قطع/ظن التي لا تلزم منطقياً. فقد كتب مثلاً الطاهر بن عاشور رحمه الله في “مقاصد الشريعة الإسلامية” يقول:

إذا كنا نقول بحجية القياس، الذي هو إلحاق جزئي حادث لا يُعرف له حكم في الشرع؛ بجزئي ثابت حكمه في الشريعة، للمماثلة بينهما في العلة المستنبطة، وهي مصلحة جزئية ظنية غالبا لقلة صور العلة المنصوصة، فَلَأنْ نقول بحجية قياس مصلحة كلية حادثة في الأمة لا يعرف لها حكم، على كلية ثابت اعتبارها في الشريعة باستقراء أدلة الشريعة، الذي هو قطعي أو ظني قريب من القطعي، أولى بنا، وأجدر بالقياس، وأَدْخَلُ في الاحتجاج الشرعي.[11]

ومسألة القطع والظن بين الاستنباط والاستقراء مسألة قديمة جديدة. فقد ادعى أرسطو قطعية الاستنباط المنطقي من قديم، واحتج بقطعية ما يُستنبط عن طريق الآلات اللوجستية -التي نظّر لها تنظيراً محكماً – في مقابل ما يُستكشف عن طريق الاستقراء. ورأى أرسطو أن الاستقراء إذا كان كاملاً فلا حاجة إليه، لأنه استوعب كل الحالات المنطقية على أية حال، وإن كان ناقصاً فهو لا يفيد القطع، كما ذكر الدكتور الراحل في رسالته.

ورغمَ معارضة أغلب الفقهاء للفلسفة والفلاسفة والمنطق والمناطقة، إلا أن رأيَ أرسطو كان هو السائدَ بين الفقهاء، بنقل مباشر أو غير مباشر عنه.[12] وكان الاستثناء من هذه القاعدة قلة من العلماء، كان على رأسهم ابنُ تيمية الذي عارض مسألة قطعية الاستنباط المنطقي، لأنه يستند في أساسه ومقدماته المنطقية على “كليات في الذهن”،[13] وهو ما أداه إلى رد الفارق الأرسطي بين الكُنْهِ والعَوارِض،  وكان سبّاقاً بهذا في تاريخ الفلسفة. وتجدر الإشارة أن الدكتور الراحل إسماعيل الفاروقي قد قرأ ابن تيمية –فيما بعد- وتبنى آراءه،[14] ولكنني لم أعثر على موقف جديد له من قضية الاستقراء في المرحلة المتأخرة من حياته رحمه الله.

والحق أن نفيَ أرسطو للقطع المطلق عن الاستقراء دقيق، كما أن نقد ابن تيمية لمنطق الاستنباط دقيق كذلك، ولا قطعَ في الاستقراء ولا الاستنباط ولا أية نظرية بشرية متصورة، علمية كانت أم فلسفية أم شرعية. وإنما درجةُ القطع (أو سمّها درجة الظن إن شئت) كلها نسبية، والإنسان يزداد يقينا بأية قضية كانت، كلما توافرت الأدلة عليها. بل إن منطق القرآن نفسه في إثبات وجود الخالق عز وجل هو منطق استقرائي بالأساس، يعتمد على لفت النظر إلى تكاثر الأدلة على وجود الباري المبدع سبحانه وتعالى، من مثل قوله تعالى: (قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السمَاوَاتِ وَالَأرْض) (يونس:101). ولا يُقال إن هذا الاستقراء ناقص لأننا لم نفحص كل دليل في السماوات والأرض لعلنا نجد ما يناقض الاعتقاد، فالله عز وجل قد أمرنا أن نستنتج أنه لا فُطور في هذا الكون عن طريق إرجاع البصر في ما نرى من الكون في حدود الطاقة البشرية، لأنه يكفي للبشر أن يقيسوا الغائب على الشاهد.

وتجدر الإشارة كذلك أن الدكتور الراحل طور نظرته إلى الغاية في مرحلة لاحقة وربطها بالقيمة نفسها. فقد كتب مثلاً في “أطلسه”:[15]

لقد عُين لكل جزء من مكونات الطبيعة غاية يجب أن يسعى إليها ويحققها. (وخلق كل شيء فقدره تقديرا) أي عين قدره ومصيره ودوره وغايته (الفرقان: 2 والقدر: 3). وتقع هذه الغاية من صلب الشيء وقوع طبيعته، فيسعى إليها سعياً لا يلين. وقد تكون هذه الغاية بينة معروفة، أو قد تكون خفية لا تكاد تعرف. لكنها موجودة (قدرا مقدورا) محدداً ودقيقاً (الأحزاب: 38). والغائية هي الجانب الآخر من النظام. وتكون العلاقة نفسها بين شيئين في الطبيعة علاقة سببية من ناحيتها النظرية وعلاقة غائية من ناحيتها القيمية.

وتصور القيمة على أنها متماهية مع الغاية هو تصور مقاصدي بامتياز، يدفع مفهومي القيمة والغاية كليهما إلى آفاق فلسفية وعملية هامة.[16]

2- رغم تأييد الدكتور الراحل للفيلسوف مور في أن قيمة الخير جوهر لا ينقسم وغير قابل للتحليل (ص 6)، إلا أنه انتهى به المطاف إلى تحليل القيم نفسها إلى نفعية وخُلُقية وجمالية – مما يدل كذلك على عدم لزوم ثنائية قابل/غير قابل للتحليل، وإنما هو قابل للتحليل على مستوى من المستويات النسبية دونها كلها. ولعل هذا النقد ينطبق على بعض المواضع التي نقد فيها الدكتور الراحل النسبية بشكل مطلق وكامل.

3- لابد من التسليم بقدر من النسبية في تصور القيمة، ودليلي على ذلك مما قاله الدكتور الراحل نفسه هو حديثه عن تطور البشرية نفسها من حيث الدربة على إدراك القيم (ص 269) فلو كانت البشرية كلها في مرحلة ما غير قادرة على إدراك قيمة ما وهي بالتالي تتعامل مع مستوى أقل من الإدراك المثالي لها، فأولى بنا اعتبار القيمة الأقل قيمة نسبية إلى حين، فذلك مبلغ علم البشر في ذلك العصر.

نطاق الرسالة هو الفلسفة الغربية بما فيها شروح الفلاسفة المسلمين على الفلسفة اليونانية. وواضح من كتابات الدكتور الراحل اللاحقة كيف تطوّر فكره الإسلامي وتأثر – حسب ما قال هو – بالفلاسفة المسلمين ممن لا ينتمون إلى تيار الفلسفة الغربية مثل ابن تيمية.[17] وحبذا لو بحث طالب نجيب في موضوع هذه الرسالة نفسها من وجهة نظر الفلسفة الإسلامية البحتة، خاصة فيما كتبه الدكتور الراحل باختصار في ما يتعلق بدور الرسل في تعليم القيم وتعريفها، وأصالة القيم في الفطرة الإنسانية، ونقده للفلسفة الإسلامية التقليدية في مغالطتي “الطبيعية” و”التعميمية” – كما ذكر.

 4 – أوصى بالاستفادة من نقد الدكتور الراحل لفلسفتَى الحداثة (متمثلة في عقلانيتها الحتمية) وما بعد الحداثة أيضاً (متمثلة في الشكية الجديدة)، وحبذا لو بنينا على هذا النقد فلسفة إسلامية جديدة تتجاوز إشكاليات الحداثة وما بعد الحداثة، والعقلانية واللاعقلانية، والشكية القديمة والجديدة – كلهم على حد سواء – سواءً في فلسفة الأخلاق أو المنطق أو غيرهما من أبواب الفلسفة.

وأخيراً، أرجو من المعهد العالمي للفكر الإسلامي أن يطبع هذه الرسالة القيمة، ويُشجع الباحثين الجادين على الاستفادة منها ودراستها والتعقيب عليها، فهي رسالة هامة تاريخياً وفلسفياً.

[1] حصل على دكتوراه في فلسفة التشريع الإسلامي من جامعة ويلز البريطانية، ودكتوراه في تحليل المنظومات من جامعة واترلو الكندية، أستاذ مشارك ببرنامج السياسة العامة في الإسلام بكلية الدراسات الإسلامية بمؤسسة قطر في الدوحة، وعضو مؤسس للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين وعضو مكتبه التنفيذي، وزميل معهد الدراسات المتقدمة في المنظومات بكندا. درس الفقه والحديث وحفظ القرآن في حلقات الجامع الأزهر بالقاهرة. شارك في مهمات إدارية وعلمية  في عدد كبير من المؤسسات العلمية، وعمل في التدريس الجامعي وأستاذاً زائراً في العديد من الجامعات في العالم. له عدد من المؤلفات بالعربية والإنجليزية، معظمها في مقاصد الشريعة وفلسفة التشريع الإسلامي. بالإضافة إلى عدد كبير من البحوث في المجلات والدوريات والمواقع الإلكترونية.  jasserauda@hotmail.com – www.jasserauda.net

[2] مجلة الوعي الإسلامي، الكويت، العدد 545، محرم 1432/ ديسمبر 2010م، وكذلك: حافظ، فاطمة. “إسماعيل راجي الفاروقي: قراءة في الرؤية الإصلاحية والمشروع المعرفي”، المسلم المعاصر، العدد 131، يونيو 2009.

[3] Ismail Faruqi, On Justifying the Good, PhD Thesis, Indiana University, USA, 1952.

[4] مثلاً: “نظرية الخير: الجوانب الميتافيزيقية والإبستمولوجية للقيم” في:

http://ar.wikipedia.org/wiki

http://www.ibrahimragab.com/ismail-20

http://toba-sham.com/?p=827

http://www.4nahda.com/node/678

[5] من رسالة الدكتور الفاروقي السالفة الذكر، وسوف نشير إلى المواضع من صفحات الرسالة بين قوسين كما ذكرت هنا.

[6] Colosi, Peter. “John Paul II and Max Scheler on the Meaning of Suffering.” Logos: A Journal of Catholic Thought and Culture, Volume 12, Number 3, Summer 2009, pp. 17-32.

[7] Heidegger, Martin. Being and Time, trans. by Joan Stambaugh, Albany: State University of New York Press, 1996.

[8] الفاروقي، إسماعيل راجي. أطلس الحضارة الإسلامية، الرياض: مكتبة العبيكان، 1998، ص26.

[9] المرجع السابق، ص25.

[10] المرجع السابق، ص 140، 143.

[11]  ابن عاشور، محمد الطاهر. مقاصد الشّريعة الإسلاميّة، تحرير: الطاهر الميساوي، كوالا لامبور: الفجر، 1999، ص225.

[12]  راجع مثلاً: الرازي، محمد بن عمر بن الحسين. مفاتيح الغيب الشهير بالتفسير الكبير. بيروت: دار إحياء التراث، د.ت. ج 30 ، ص 133 ، والسيوطي، عبد الرحمن بن أبي بكر جلال الدين. تدريب الراوي. تحقيق: عبد الوهاب عبد اللطيف، المدينة: المكتبة العلمية، الطبعة الأولى، 1392 ، ج 1، ص 277 ، وابن الهمام، محمد بن عبد الواحد الكمال. التقرير والتحبير. بيروت: دار الفكر، د.ت. ج 1، ص 86

[13] ابن تيمية، أحمد عبد الحليم الحراني أبو العباس. درء تعارض العقل والنقل أو موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول. تحقيق: محمد رشاد سالم، القاهرة: مكتبة ابن تيمية، 1971م، ج 3، ص216.

[14] الطالب، هشام. مقدمة الطبعة المعربة من كتاب أطلس الحضارة الإسلامية: الفاروقي، أطلس الحضارة الإسلامية، مرجع سابق، ص 16.

[15] الفاروقي، أطلس الحضارة الإسلامية، مرجع سابق، ص 454.

[16] راجع: عودة، جاسر، فقه المقاصد: إناطة الأحكام الشرعيّة بمقاصدها. فيرجينيا: المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 2006، ص18-26.

[17] الطالب، مقدمة كتاب أطلس الحضارة الإسلامية، مرجع سابق، ص 16.