عندما قامت قيادات الشرطة بالخيانة الوطنية، خلال اندلاع الثورة الشعبية المصرية، التي تمثلت في سحب الأمن من الشوارع، وترك الناس وجها لوجه مع البلطجية وفلول النظام البائد، كان صمام الأمان الذي حال دون انهيار المجتمع المصري هو (اللجان الشعبية) إذ كوّن الناس بشكل تلقائي وبسيط مجموعات من الشاب والرجال لحماية بيوتهم وشوارعهم،

بل ولتنظيم المرور والقيام ببعض الخدمات الأمنية الأساسية والضرورية. الآن وقد نجحت الثورة، قام عدد كبير من المواطنين في مختلف المدن والأحياء ومن مختلف الاتجاهات والأطياف، بمبادرات لتشكيل (لجان شعبية) غير سياسية مهمتها تمثيل وخدمة المواطنين بطرق شتى. وهذه المقالة محاولة لوضع هذه اللجان في اطار فكري ومؤسس لعله يسهم في ترشيدها وتوجيهها في خدمة البناء المدني في مصر، وهي أولوية رئيسية في هذه المرحلة. ما هي؟ اللجان الشعبية تشكيلات لمجموعات صغيرة من المواطنين بناء على مبادرات منهم تستهدف تحقيق حق أدنى من حقوق الإنسان الطبيعية، وبالتالي العدالة الاجتماعية ودعم الحياة المدنية في عمق المجتمع المصري. أهميتها: هذه اللجان هي صمام الأمان للثورة ومكتسباتها لأنها لن تقتصر على الخدمات ولكنها أيضا تعبر عن آراء المواطنين التي تتعلق بحقوقهم الأساسية – دون تسييس أو أيدلوجية معينة إلا نصرة حقوق الإنسان المدنية المقررة. هدفها العام: تحويل الثقافة المصرية المجتمعية إلى ثقافة مدنية بالمعنى التالي: 1) تحقيق العدالة الاجتماعية عن طريق ضمان الحقوق الأساسية للمواطنين، وهذه الحقوق الأساسية في الإسلام تتمثل في (مقاصد الشريعة الضرورية) أو أهدافها وغاياتها وفلسفتها، وهي كالتالي: – حفظ الدين: بالنسبة للمسلم وغير المسلم يعني حرية ممارسة الشعائر الدينية دون ضرر بالآخرين أو مخالفة للقانون، وعدم تضرر بالمواطن بسبب دينه أيا كان أو الضرر بأماكن العبادة أيا كانت. – حفظ النفس: وتعني المحافظة على صحة وسلامة الإنسان –بدنيا ونفسيا وبيئيا، وفي شتى المجالات التي تؤثر على الصحة والسلامة العامة. – حفظ العقل: وتعني المحافظة على وعي الإنسان وسلامته من المخدرات وكل أنواع التغييب العقلي مادية كان أو ثقافية وفكرية، والحفاظ على حد أدنى من التعليم والتدريب ومحو الأمية في المجتمع. – حفظ العرض: وتعني المحافظة على كرامة الإنسان وحقوقه كآدمي من الامتهان أو الاستغلال أو الضرر أو تقييد الحريات من ذوي السلطة في المجتمع أياً كان هذه السلطة – رسمية أو شعبية أو مهنية. – حفظ النسل: وتعني ذرية الناس أو باعتبار معاصر تعني حفظ الأسرة المصرية من كل ما يضرها أو يضر أولادها أو يؤثر عليها سلبان والاسهام في حل مشاكلها ومشاكل الطفولة الملحة. – حفظ المال: وتعني هنا وجود حد أدنى آدمي من الضرورات المعاشية لكل مواطن لا يقبل – كحقوق إنسان – أن يكتسب ما هو أدنى منه، وذلك بالتعامل مع السلطات المعنية أو حتى الهيئات الخيرية المعنية بالصدقة والتطوع. ولابد لشباب اللجان الشعبية من جلسات يسقطون فيها هذه القيم والمبادئ الإنسانية الخالدة على واقعهم بشكل مفصل وعملي حتى يتولد لدى الناس الوعي بحقوقهم وما ينبغي أن يثوروا إذا فقد من حياتهم. 2) والدعامة الثانية في الثقافة المدنية المنشودة هي ثقافة التعاون، فلابد من شباب اللجان أنفسهم وممن يتعاملون ويتعاونون معهم من أفراد المجتمع من دعم وترسيخ لروح التعاون والتكافل حتى تتقوى لُحمة المجتمع المدني وبنيانه. 3) ثقافة السماحة من مكونات ثقافة المجتمع المدني المنشودة –سواء مع المخالفين في الدين أو الرأي أو الثقافة أو الطبقة أو الوظيفة أو أيا كانت اعتبارات التمييز بين الناس، ولابد من وضع السماحة هدفا لبرامج معينة ترعاها اللجان. 4) ثقافة التطوع: لا يصح أن يتقاضى الناشطون في حركة اللجان الشعبية أجورا على مجهوداتهم، ولابد من بث ثقافة التطوع في المجتمع عن طريق قبول جهود المشاركين بناء على هذه القاعدة. 5) ثقافة المؤسسية: التشكيل المقترح للجان ليس هرميا وليس فيه (قيادات)، ولكن لابد من نشر ثقافة المؤسسة بين أفراد اللجان من حيث النظام والتشاور ولابد للجان أن تستمع لتوجيهات اللجنة المركزية في ما يتعلق بالتنسيق بين اللجان. فالشكل المؤسسي للجان هو شكل شبكي ذو مستوى واحد تختلط فيه بشكل عفوي تقسيمتان: أ – التقسيم الجغرافي: وهو على حسب مبادرات المواطنين، وليس شرطاً أن يكون نطاق اللجنة الجغرافية مرتبط بالأحياء الرسمية أو المدن أو المحافظات ولا يشترط أن يكون متجانسا –أي أنه يمكن لمجموعة في بناية سكنية من تكوين لجنة، ومجوعة في حي، ومجموعة في مصنع، ومجموعة في مدرسة، ومجموعة في محافظة… إلى آخره، ولكه بشكل عفوي حسب المبادرات الشعبية. ب – التقسيم التخصصي: أي تقوم لجنة لحقوق الإنسان مثلا (سواء في بقعة جغرافية محددة أو حتى في العموم)، ولجنة للنظافة، ولجنة للأيتام، ولجنة للصحة، ولجنة للطلبة المعاقين مثلا، وهكذا – كله حسب حاجات المجتمع ومبادرات أعضاء اللجان، وهذه اللجان كلها في مستوى واحد بينها وفي مستوى واحد مع اللجان الجغرافية، ليس في تركيبتها أي (قيادات) أو (أوامر) أو أيا من الأمور التنظيمية المعهودة، وهذا على أن تقوم اللجنة المركزية بالتنسيق (وليس القيادة) بين عمل هذه اللجان لتحقيق التعاون ومنع التناقض أو ما يخل بالقيم المدنية المذكورة أعلاه. وهذه اللجان الشعبية لابد لها أن تظل بعيدة عن أطياف السياسة بل وانتماءات الدين – بل أن تكون هي أساس الحياة المدنية التي تحمي المواطن ومكتسباته، وأن تحافظ على أن تكون عندها القدرة على تجميع الناس للاحتجاج – مرة أخرى – إن حدث طغيان أضاع بحقوق الإنسان الأساسية أو العدالة الاجتماعية المكتسبة، هذه هي الأولوية الوطنية والمنطقية والشرعية في هذه المرحلة.