يقول الإمام أحمد بن عطاء الله السكندري – رحمه الله ورضى عنه:

“مِنْ عَلاماتِ النُّجْاحِ في النِّهاياتِ، الرُّجوعُ إلى اللهِ في البِداياتِ. مَنْ أَشْرَقَتْ بِدايَتُهُ أَشْرَقَتْ نِهايَتُهُ.”

والعبد السائر إلى الله، المتجاوز لمرحلة من العسر والبلاء إلى آفاق من اليسر والسعة، ما يبرح يفكر في الجديد من العمل الصالح الذي يمضي به قدماً في الطريق. وهذه الحكمة تعلمنا سنّة إلهية أخرى، وهي أن إحكام بداية أي عمل توشك أن تضمن إحكام ونجاح نهايته.

وأثر هذا في السير إلى الله هو أنه إذا كانت بداية الرحلة مشرقة فالنهاية مشرقة، حسب تعبير الشيخ هنا. ولكن، كيف تشرق البداية؟ تشرق البداية بالرجوع إلى الله عز وجل. وكيف (أرجع إلى الله) في بداية العمل؟

لابد أن يبدأ العمل الصالح بذكر الله، حسب الذكر المناسب لهذا العمل. وقد أوصانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (كل عمل لا يُبدأ فيه باسم الله فهو أقطَع)، أي ليس فيه بركة. فلابد أن تبدأ العمل باسم الله، وتبدأ الكلام بالصلاة والسلام على رسول الله وبحمد الله تعالى، كما ورد في السنة كذلك، وتبدأ العبادة بالنية، وتبدأ الصلاة بدعاء: (وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين)، وتبدأ الأمور الكبيرة بركعتين استخارة، هذا كله من الرجوع إلى عز وجل في البدايات.

وما الاستخارة؟ حقيقة الاستخارة هي دعاء تدعو: (اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب. اللهم إن كنت تعلم في هذا الأمر –وتسمى الأمر- خيراً لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري فيسره لي ويسرني له، وإن كنت تعلم في هذا الأمر –وتسمى الأمر- شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري فاصرفه عني واصرفني عنه، ثم يسر لي الخير حيثما كان وأرضني به). ومعنى هذا الدعاء هو تسليم وتفويض للأمر إلى الله سبحانه وتعالى، فتستخير بمعنى أن تقول لله سبحانه وتعالى: اختر لي فأنت تدري ولا أدري، وأنت تقدر ولا أقدر، وأنت تعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب.

وهذا نوع من أنواع الرجوع إلى الله سبحانه وتعالى في البدايات، وهو من علامات وضمانات النجاح في النهايات، مهما كانت تلك النهايات في حساباتنا البشرية الدنيوية من المكسب أو الخسارة. (لا خاب من استخار)، كما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. هذه الحسابات البشرية لا تعنى شيئاً، وإنما إذا كان هناك رجوع إلى الله عز وجل في البدايات فالحسابات في النهاية ستكون في صالحك مهما حدث، ومهما حسبت، فلعل حساباتك قاصرة.

مثلاً، إن كان الأمر المستخار فيه تجارة، فلعلك تخسر بعض الخسارة في صفقة ما، ولكن لعل الله عز وجل قد قدر هذا حتى يستبدلك بصفقة أو صفقات أفضل، أو لعلك تحتاج إلى الخسارة حتى تراجع نفسك، فتكتشف عيباً في حساباتك، أو تكتسب صديقاً يساعدك، أو تعود إلى أخ وقف في الأزمة إلى جانبك، فيكون النجاح هو في الصفقات الأفضل، أو في مراجعة حساباتك، أو في اكتساب الصديق. {والله يعلم وأنتم لا تعلمون}.

ومقاييس النجاح والفشل البشرية غالباً ما تكون حسابات مالية، أو أرقام، أو إنجازات إحصائية، وكذا. ولكنّ هذه الأشياء لا تعنى شيئاً، لأن الذي يهم هو مرضاة الله عز وجل عنا. فإذا رجعنا إلى الله عز وجل في البدايات فالنهايات ستكون بإذن الله تعالى مشرقة، وسيكون الله عز وجل راضٍ عنك مهما حصل. (من أشرقت بدايته أشرقت نهايته)، وهذا ينطبق على كل شيء. مثلاً: (شاب نشأ في عبادة الله) كما قال صلى الله عليه وسلم. هذا الشاب أحسن البدايات فأحسن الله له النهايات وأظله في ظله.

والبدايات تشرق كذلك بترك الذنوب ورد الحقوق إلى أصحابها، وبالدخول في الأمور بالعدل والقسط، وهذا مفروغ منه لأننا لا نتكلم عن الوقوع في الحرام، فالوقوع في الحرام من البدايات يؤدي إلى الفشل في النهايات مهما كانت النتائج والأرقام، لأن الحرام سيؤدي إلى الفشل ومحق البركة وإلى حرب من الله ورسوله.
أسأل الله عز وجل لي ولكم حسن الخاتمة، وأسأل الله عز وجل الرجوع إليه في البدايات والنجاح في النهايات. إنه نعم المولى ونعم النصير.