يقول الإمام أحمد بن عطاء الله السكندري – رحمه الله ورضى عنه:

“النّاسُ يَمْدَحونَكَ لِما يَظُنُّونَهُ فيكَ، فَكُنْ أنْتَ ذاماً لنَفسِكَ لِما تَعْلَمُهُ مِنها. أجْهَلُ النّاسِ مَنْ تَرَكَ يَقينَ ما عِنْدَهُ لِظَنِّ ما عِنْدَ النّاسِ.”

وإذا قطع العبد مراحل في الطريق إلى الله، فسوف يتعرض لابتلاء آخر، وهو مدح الناس له لما يظنون فيه من خير! وهذه الحكمة تجيب على السؤال التالي: كيف يتصرف المسلم مع مديح الناس له حتى لا يفتن؟

والمدح من الناس خطير. ولذلك لما رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً يمدح أخاه قال له: (قطعت عنق أخيك). والنبي صلى الله عليه وسلم قال كذلك: (إذا رأيتم المداحين فاحثوا فى وجوههم التراب).

ذلك لأن المدح قد يصرف العبد عن العمل لله تعالى إلى العمل للناس، ابتغاء المزيد من المدح أو تجنباً للذم، وهو خطير. والمدح أيضاً قد يثبّط العبد إذا أحسّ أنه يحسن أيما إحسان وأنه فعل الكثير من الخير الذي استوجب مدح الناس له، وهو أيضاً خطير. والمدح قد يصرف الإنسان عن النظر إلى عيوبه إلى النظر إلى محاسنه ومآثره، وهو خطير كذلك.

ولذلك، فالشيخ فى هذا التوجيه يقول: (الناس يمدحونك لما يظنون فيك، فكن أنت ذاماً لنفسك لما تعلمه منها)، هم يمدحونك بالظن فيظنون فيك كذا وكذا، ولكنك أنت تعلم من نفسك علم اليقين أن فيك عيوباً شتى، ولاحظ أن الشيخ وهو يتحدث عن البدايات قد أوصانا بالبحث عن عيوبنا وقال: (تشوفك إلى ما بطن فيك من العيوب خير من تشوفك إلى ما حجب عنك من الغيوب). إذن، إذا مُدح العبد لابد أن ينظر إلى عيوبه ويذم نفسه، ويستحى من الله أن ينسب الناس إليه ما ليس فيه، ويسأل الله عز وجل أن يغفر الذنوب ويستر العيوب.

ويذكرنا هذا بسيدنا على رضي الله عنه وأرضاه حين وصف الصحابة رضي الله عنهم في خطبته الشهيرة في (صفة المتقين) حين قال: (إذا زُكِّىَ أحدُهم خاف مما يقال له، يقول: أنا أعلم بنفسى من غيرى، وربى أعلم بى من نفسى، اللهم اجعلني خيرًا مما يظنون واغفر لي ما لا يعلمون ولا تؤاخذني بما يقولون).

فالصحابة رضي الله عنهم كما يصفهم لنا على رضي الله عنه كان إذا مدح أحدهم يرد فوراً قائلاً: (أنا أعلم بنفسي من غيري)، أي أنا أعلم نفسي علم اليقين وغيري يظن فىّ ظنًا، وهو نفس المعنى الذي صاغه ابن عطاء الله في هذه الحكمة. ثم يقول: (وربى أعلم بنفسي مني)، أي أن ربي أعلم بعيوبي وذنوبى وأخطائى حتى من نفسي. ثم يدعو العبد ربه عز وجل قائلاً: (اللهم اجعلنى خيرًا مما يظنون)، فهذا ظن هم يظنونه، ولكن اجعلني خيرًا من ذلك، (واغفر لي ما لا يعلمون)، لأن الله عز وجل يستر علينا أشياء، إلا من رحم الله سبحانه وتعالى، مما لا نحب ولا نستطيع أن نعلن بين الناس.

وأحيانًا ما يكون المدح عاجل الثواب، والعياذ بالله، أي أن الله عز وجل يعاقب الإنسان بهذا المدح باعتباره قد استلم ثوابه على العمل الذي ابتغى به المدح وليس وجه الله تعالى، وهو رياء.

يقول الشيخ: (المؤمن إذا مُدح استحيا من الله سبحانه وتعالى أن يذكره الناس بما ليس فيه. فأجهل الناس من يترك يقين ما عنده لظن ما عند الناس). أأترك اليقين الذي أعلمه من نفسي أن فيّ من العيوب كذا وكذا، وأُصدّق الناس فيما يقولون بالظن؟ هذا من علامات الجهل والغرور لا محالة.

هذا، وإن المدح أحيانًا يكون عاجل بشرى، لا عاجل مثوبة، يعني أن يأتي الناس فيمدحونك ويقولون: (جزاك الله خيرًا لولا أنك فعلت كذا وكذا لم يكن كذا)، وهذا فضل كبير أن يشهد الناس لك بالخير. وقد ورد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (أنتم شهداء الله في الأرض)، وورد عنه أيضاً عن بعض المدح: (هذا من عاجل بشرى المؤمن). وعندئذ، ينبغي أن يستبشر العبد فيحمد لله، ولكن لا ينبغي للعبد أن يأخذه العجب بنفسه، أو يصدق ما يقال حقيقة وينسى عيوب نفسه.

نسأل الله عز وجل السلامة، وأن يبصرنا بعيوبنا، وأن يرزقنا التواضع، وأن يبشرنا في هذه الدنيا وفي الآخرة {لهم بشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة}.