يقول الإمام أحمد بن عطاء الله السكندري – رحمه الله ورضى عنه:

“إذا أَرَدْتَ أنْ يَفْتَحَ لَكَ بابَ الرَّجاءِ فاشْهَدْ ما مِنْهُ إلَيْكَ. وَإذا أَرَدْتَ أنْ يَفْتَحَ لَكَ بابَ الخَوفِ فاشْهَدْ ما مِنْكَ إلَيْهِ.”

يلتمس السالك إلى الله قلبه أحياناً فلا يجده! ويحاول أن يستشعر شيئاً نحو الله فتحول بينه وبين ذلك غفلات القلب وشهوات النفس. والشيخ هنا يدلنا على بابين يمكن أن نفتحهما عن طريق العقل، وهو الآلة التي يمكن أن نستعملها في أي وقت بفضل الله ورحمته الواسعين. هاذان البابان هما باب الرجاء وباب الخوف.

والسؤال الذي يجيب عنه الشيخ هنا هو: كيف يمكن أن ينفتح لي باب الرجاء وأن لا أستشعر هذا الرجاء في قلبي حقيقة؟ وكيف يمكن أن ينفتح لي باب الخوف وأنا لا استشعر هذا الخوف في قلبي حقيقة؟ والجواب: أجر إحصاءً وجرداً للنعم التي منّ الله عليك بها، وإحصاءً وجرداً آخر للطاعات والقربات التي تقدمها إلى حضرته سبحانه.

فأما النعم فلا يمكن أن تحصيها على أية حال: {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها}، ولكنك كلما تذكرت نعمة من نعم الله تعالى عليك، أدركت وشعرت كم هو كريم، وكم هو حليم، وكم هو رحيم، وكم هو جواد. وإذا استغرقتني هذه المعاني، فسينفتح لي باب الرجاء في عطاء هذا الإله الكريم المعطي الحليم الجواد الرحيم.

ثم إنني إذا تذكرت ما أقوم به، وتقصيري، وقصوري عن بلوغ أدنى درجات الشكر الذي يليق بكرمه، أو الذكر الذي يليق بجلاله، أو التعبد الذي يليق بمقامه سبحانه، وإذا استغرقتني هذه المعاني، فسينفتح لي باب الخوف في قلبي.

والعبد ينبغي أن يراوح بين هذا وذاك،  فيصبح -كما قال ابن القيم في إحدى تشبيهاته الجميلة- كالطائر الذي له جناحان، جناح رجاء وجناح خوف، وكأنه يطير بهذين الجناحين.

والتوازن بين الأضداد أيضاً من السنن الإلهية الثابتة، وهنا لابد أن يحدث توازن بين الرجاء والخوف حتى يطير الطائر، لأنه لا يستطيع أن يطير بجناح واحد!

فمن الانحرافات في هذا الباب أن يتعدى الرجاء إلى (الأمن). وهذا
يعني أن يأمن الإنسان من العقاب. { وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً}، وهذا قد ورد في شأن بعض الأمم من قبلنا وقد كانوا يظنون أنهم شعب الله المختار أبداً، بغض النظر عن عملهم، كما يظن بعض المسلمين اليوم أنهم ما داموا مسلمين فمهما فعلوا فلا يهم ولا يضر، وقد قال تعالى: {فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ}، فلا ينبغي للرجاء أن يصبح أمناً أو توهم وجود ضمان مع الله سبحانه وتعالى، ليس هناك ضمان إلا في الجنة.

ومن الانحرافات في هذا الباب كذلك أن يتعدى الخوف حتى يكون قنوطاً من رحمة الله سبحانه وتعالى! رغم قوله تعالى: { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}، وقال: {إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُون}.

والمطلوب هنا هو أن يكون هناك توازن بين الرجاء والخوف، فنتوب إلى الله سبحانه وتعالى ونرجوه من فضله ومنّه وكرمه أن يعفو عنا، وفي نفس الوقت نخاف من الله عز وجل ألا يتقبل منا، وألا يمنحنا ذلك العفو بسبب التقصير وبسبب ارتكاب الذنوب. لكن لا ينبغي للذنوب أن تصدنا عن الرجاء في رحمة الله سبحانه وتعالى، كما لا ينبغي للرجاء أن يصدنا عن الخوف من الله سبحانه وتعالى.

نسأل الله عز وجل أن يرزقنا حسن الفهم وحسن الصلة به وأن يفتح علينا من أبواب الخوف والرجاء ما يحسّن به أحوالنا، حتى نمشي على الصراط المستقيم ولا نزيغ أبدًا، وصلى اللهم على سيدنا محمد.