مقتطفات من كتاب الإجتهاد المقاصدي 

 وحفظ النفس وحفظ العرض أيضًا من المصطلحات التي عبرت عن تصور لقيم أساسية عبرت عنها كل أجيال المقاصدين. والمصطلحات التي استخدمت في هذا الباب هي: “حفظ النفس” و “مزجرة قتل النفس” و “حفظ العرض” و “مزجرة ثلب العرض” و “حفظ النسل” – عند من ضم حفظ العرض إلى حفظ النسل في التقسيم مثل الجويني والغزالي والشاطبي. وتعبير النفس قد ورد بوضوح في القرآن الكريم ولم يكن فيه تعبير العرض، إلا أنه ورد في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل: “كل المسلم على المسلم حرام: دمع وعرضه وماله” و”إن دماءكم وأعراضكم وأموالكم حرام عليكم”[1] والعرض أيضًا مكون أساسي من تصور الإنسان وعلاقاته الاجتماعية عند العرب – شاع في أشعارهم وأدبياتهم على مدار العصور، لعل من أشهرها الأمثال التالية:

قال عنترة:

ولقد خشيت بأن أموت ولم تدر         للحرب دائرة على ابني ضمضم

الشاتمي عرضي ولم أشتمها                      والناذرين إذا لما ألقهما دمي

وقال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه:

سأمنح مالي كل من جاء طالبًا وأجعله وقفًا على القرض والفرض

فإما كريم صُنت بالمال عرضه    وإما لئيم ضُنت عن لومه عرضي

وقال حسان بن ثابت رضي الله عنه في نفس املعنى:

أصون عرضي بمالي لا أدنسه    لا بارك الله بعد العرض في المال

وأما المعاصرون فقد شاع بينهم – في معرض الحديث عن حفظ النفس والعرض – مصطلح “حفظ الكرامة” أو “حفظ الكرامة البشرية” كنوع من التجديد أو التفسير لهذين المصطلحين[2]. ومفهوم الكرامة البشرية لصيق مفهوم “حقوق الإنسان” الذي تصوره أيضًا كثير من المعاصرين في تنظيرهم للمقاصد الشرعية في نفس السياق[3]. وهذه آلية أخرى لتفعيل المقاصد تفعيلاً يمس مشاكل الناس ويتعامل مع واقعهم.

إلا أنني أرى أنه من الضروري أن تبحث مسألة حقوق الإنسان بشكل مفصل قبل إدماجها بالمقاصد الشرعية حتى يُفرق بين ما يدعو إليه الإسلام من حقوق للإنسان تتفق فعلاً مع المبادئ (الأساسية) لحقوق الإنسان العالمية، وبين بعض التفسيرات. فمفهوم الحرية التي اعتبرها الطاهر ابن عاشور وعدد من المعاصرين من مقاصد الشريعة الإسلامية – واستدلوا على ذلك باستقرار الكتاب والسنة – يختلف عن مفهوم الحرية عند كثير من الأوروبين مثلاً، والذي قد تتعدى فيه حرية التعبير إلى حرية الإهانة والسخرية، وحرية اختيار الأزواج إلى حرية الشذوذ او الخيانة، وحرية التصرف في البدن إلى حرية قتل المرأ نفسه أو تعاطي المخدرات، وعليه، فالأمر يحتاج إلى تحقيق لا تفسر مفاهيم حقوق الإنسان بما يتناقض مع معايير الإسلام وثوابته، وحتى لا يطلق “مقصد حفظ حقوق الإنسان” على عواهنه ويساء استغلاله.

 


([1])  صحيح مسلم ج:4 ص:1986 وصحيح البخاري (الجامع الصحيح المختصر، محمد بن إسماعيل أبو عبد الله البخاري الجعفي، دار ابن كثير، البيمامة – بيروت – 1407 – 1987، الطبعة الثالثة، تحقيق: د.مصطفى ديب البغا) ج:1 ص:37.

([2])  يوسف القرضاوي، مدخل إلى دراسة الشريعة الإسلامية، مكتبة وهبة، 1996م ص: 75 أيضًا: ورقة الدكتور عبد الرحمن الكيلاني، القواعد الأصولية والفقهية، وعلاقتها بمقاصد الشريعة الإسلامية، قدمها للندوة التأسيسية لمركز دراسات مقاصد الشريعة الإسلامية – مقاصد الشريعة الإسلامية: دراسات في قضايا المنهج ومجالات التطبيق، تحرير: محمد العوا، لندن، 2006.

([3])  مثلاً: ورقة “بين المقاصد الكلية والنصوص الجزئية” – يوسف القرضاوي – مرجع سابق.