أكد عضو المجلس الاستشاري بمؤسسة “يقظة فكر” د. جاسر عودة, على أن من ينادون إلى العودة لطبيعة الدولة إنما هم ينادون إلى العودة لشيء غير موجود, فالدولة ليس لها طبيعة, إنما هي عبارة عن مجموعة من التصورات لأشخاص, والخلط بين الطبيعة والتصور قد يؤدي إلى احتكار الحق, ونشوب الخلافات بين الفصائل المختلفة, جاء ذلك في محاضرة له بعنوان “التفكير الكلي المنظومي وضرورته للتجديد“, عقدت أمس بمقر “يقظة فكر” بالقاهرة.

جاءت المحاضرة انطلاقًا من أنّ المقاربة التجزيئية والتبسيطية للظواهر الاجتماعية والسياسية فضلا عن النصوص الشرعية والحقائق التاريخية من أكبر مشكلات العقل الإسلامي المعاصر. فالمقاربة الكلية المنظومية ترى الظواهر والنصوص على حد سواء ككليات متكاملة لا تفهم بشكل صحيح إلا من خلال أهدافها الكلية وتعدد أبعاد مكوناتها, وجاءت المحاصرة كمقدمة في المنهج الكلي المنظومي.

وبيّن نائب مدير مركز دراسات التشريع الإسلامي والأخلاق بمؤسسة قطر, د. جاسر أن هناك ست سمات أساسية للمنهج المنظومي, أولها أن “المنظومة ما هي إلا تصور الأشخاص لها”, والتصور مختلف عن الطبيعة الحقيقية للأشياء, فالدولة لها تصور ولكن ليس لها طبيعة, والاجتهاد تصور, وفي التجديد ينبغي أن يكون الباب مفتوحًا, فلا يصح أن يعتبر المجتهد أن تصوره هو طبيعة الأشياء.

ومن السمات “تكامل الأجزاء”, فبتحليل المنظومة يتبين وجود شبكة علاقات بين كل أجزائها, على ذلك لا يصح أن يتم النظر إلى جزء من المجتمع المصري باعتباره جزء منفصل عن بقية المجتمع, أو أن يتخصص شخص في تخصص معين دون الإلمام بباقي العلوم, فالتخصصات في حد ذاتها ليست هي “طبيعة الكون” إنما هي من تصورنا, فالله سبحانه لم يخلق الكون مقسمًا, إنما خلقه ككل واحد.

و”الكليات الحاكمة” هي السمة الثالثة, فهناك في كل المنظومات كليات تحكم الجزئيات وهي تتحرك, فإذا أردنا أن نحلل نظام سياسي, يجب علينا أن نبدأ من سؤال: ما هي القيم التي تحكم هذا النظام السياسي؟

وتأتي “الغايات والمقاصد” كسمة رابعة, فالفلسفة القديمة كانت تعتمد أنه لا يوجد شيء ددون سبب, أما الحديثة فتعتمد على أنه لا شيء دون غاية ومقصد.

وعليه, لا يمكن أن يكون هناك منومة دون أن يكون لها غاية, فالتفكير الذي يتعلق بالأسباب هو تفكير قبلي, أما التفكير الذي يتعلق بالغايات فهو تفكير مستقبلي.

أما “الانفتاح والتفاعل”, فهي السمة الخامسة, فلا بد أن يكون هناك تفاعل داخل وخارج بين المنظومة والعالم المحيط, فالمؤسسة التي لا تتفاعل مع الواقع تموت, كالنبات الذي لا يتفاعل مع العالم, وحتى تعرف المؤسسة ما هو منها أو من غيرها, لا بد أن تعرف بداية ما هي.

والسمة الأخيرة هي “تعدد أبعاد النظام”, فالناس قد تعودت على تصنيف الأبيض والأسود, بينما هناك درجات بينهما, وهناك درجات أيضًا بين الحديث الضعيف والصحيح, ودرجات بين القطعي والظني.

وعلّق د. عودة على الكارثة التي عاشتها أمريكا في الأيام الأخيرة, فقال أن هناك من تمنى أن يزول الغرب, متخيلاً أنه بزواله سيزول عائق كبير في طريقه للحضارة, بينما لا يدرك أنه لو نظر بالنظرة الكلية للأمر, لتبين له أن حياتنا الآن – للأسف – مبنية على وجودهم, ولتبين له أن الأدوات التي يستخدمها ويعيش عليها, والتي يعتبرها هو منفصلة عن فكرهم وثقافتهم, هي في الحقيقة ابنة له, سيفقدها عند انهيارهم, وربما ينهار هو معهم.

وأكد على أنه لا يمكن أن يجدد العاملون في المنظومات دون أن يفكروا بأبعاد الأشياء, وأنه يجب ألا ينظروا إلى الآلة نظرة منفصلة عن مصنّعها.

ودار في نهاية المحاضرة التي حضرها عدد من المهتمين من المؤسسات الناشئة والرائدة, وممن أراد أن يبني عمله على أسس سليمة, نقاش حول موضوع المحاضرة, وتنزيل السمات التي تحدث حولها د. جاسر على المنظومات القائمة على أرض الواقع, سواء تلك التي ينتمي لها الحضور أو غيرها.