يقول الإمام أحمد بن عطاء الله السكندري – رحمه الله ورضى عنه:

 

“مِنْ تَمامِ النِّعْمَةِ عَلَيْكَ أنْ يَرْزُقَكَ ما يَكْفيكَ وَيَمْنَعَكَ ما يُطْغيكَ.
لِيَقِلَّ ما تَفْرَحُ بِهِ، يَقِلَّ ما تَحْزَنُ عَلَيْهِ.”

وهذه مرحلة تالية تتعلق بقضية الرزق وقضية الفهم عن الله عز وجل في الرزق، وقول النبي صلى الله عليه وسلم (ما قل وكفى خير مما كثر وألهى) الذي ذُكر آنفاً، صاغه الشيخ في حكمة قال فيها: (من تمام نعمته عليك أن يرزقك ما يكفيك وأن يمنعك ما يطغيك، فإذا قل ما تفرح به قل ما تحزن عليه).

فقد يرزق الله عز وجل العبد الكفاية، أي ما يكفيه لا أكثر ولا أقل، ويكون هذا من تمام نعمة الله عز وجل عليه، لأن الله إذا رزق الإنسان رزقاً واسعاً فلعله يطغى: {كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى}. وهذا من طبيعة البشر، فقد قال تعالى: {ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء}. هذه سنة الله في الفطرة البشرية، أن الله لو أعطانا الرزق مبسوطاً دون حد لطغينا. والله عز وجل إذن {ينزل بقدر ما يشاء}، وهذا من تمام نعمته علينا ورحمته بنا.

وقد يعلم الله عز وجل أنه إذا اعطاك مالًا كثيرًا فلن تطغى، فيعطيك مالًا كثيرًا، ولكنه قد يعلم أنه إذا أعطاك الجاه الكثير فسيطغيك وتظلم الناس فلا يعطيك جاهًا، بل يعطيك مالًا مثلاً ويمنع عنك الجاه، أو العكس، أو غير ذلك من أنواع العطاء والمنع. وهو في كل ذلك متفضل عليك ويحميك حتى من نفسك. فلا تنظر إلى ما منعت وتتمنى شيئاً قد يطغيك، لأن (ما قل وكفى خير مما كثر وألهى)، كما قال صلى الله عليه وسلم.

ثم يقول: (فإذا قل ما تفرح به قل ما تحزن عليه). لأن هذا الذي يطغيك ينم عن فرح بالدنيا، فرح بمعنى: الغرور في الدنيا. فالفرح نفسه طبعًا ليس منكراً من الدين، فالله يقول: {قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا}، والعبد المؤمن يفرح بفضل الله عز وجل، ولكن الفرح المذموم بشيء هو الذي يُحزنك عليه إذا فقدته.

وهذا المعنى هو مصداق قوله تعالى: {لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ}. فإذا فرحت بجاه أو ولاية أو منصب أو شيء من ذلك، فاعلم أن الدنيا والمناصب تزول، ولو دامت لغيرك ما وصلت إليك، كما يقال، أي أن أي ملك أو جاه أو منصب مهما كان، لو دام لمن قبلي ما وصل إليّ، ولو دام لي ما وصل لمن بعدي، فهذه المناصب لا تدوم، والمال نفس الشيء، فالمال يزول ويأتي لي ويبقى ثم يزول بضياع أو بموت، وقس على ذلك ما تشاء من متاع هذه الحياة. {كل من عليها فان ويبقى وجه ربك}.

فالقضية أنه إذا قل ما تفرح به قل ما تحزن عليه، وهذا قد يكون من نعمة الله عز وجلت علىّ أن يعطيني ما يكفيني، حتى لا أحزن كثيرًا بفقداني لما لا أحتاجه على أي حال. فإذا عندك كفاية من الطعام والشراب والمال والأهل ومتاع الدنيا و(مستور)، فهذا من تمام النعمة، وأنت محظوظ، لأن الله منعك أن تكون مثل السلاطين والملوك، أو مثل المترفين، فلابد أن تشكره على تمام وجمال وكمال ما أعطاك سبحانه وتعالى. وافهم عن الله سبحانه وتعالى أنه في عطائه ومنعه حكيم ولا يقصد بك إلا الخير. وحقق الرضى، فما أجمل الرضى!